الثلاثاء، 30 أغسطس 2011

البنت التانية:كرمة


تقول زينب و هي تلقي بباليته الألوان في الحوض..أو مونديو*..
تنظر لي و تضع يديها في وسطها و تقول..الأتيليه حر جداً مش ملاحظة..
لم تكن زينب صديقتي..أعرفها شكلاً و اسماً فقط..زينب تنتمي للطبقة الراقية في المجتمع..كلاس كما يقولون..لا أعرف لماذا يقال كلاس فقط بدون صفة قبلها..وهل هذا يعني إننا لا ننتمي لكلاس معين..ربما أكتفي بكلمة ميديم أو إن بيتوين أعجبتني الكلمة فابتسمت تقول معتقدة أنني ابتسم على أسلوبها المسرحي للحر..لأ فعلاً حر جداً مسمعوش عن اختراع اسمه تكييف..إحنا هيومان بين فور جود سيك**.... لا أعرف ماذا أقول فأرد بهمهمة قد تعني أنني أتفق معها..اود أن أقول ولكن التكييف يتعبني..ولكني أصمت حتى لا تظن زينب أنني لست هيومان بين..
أمسكت بأكبر فرشاة جواش لتغسل بها الباليته كما أفعل على الحوض المجاور..
-عارفة إيه أكتر حاجة محرراني؟ الخاتم ده..
كانت تشير لخاتم خطبتها الماسي..ثم خلعته بكل بساطة ملقية به على حافة الحوض..ظللت محدقة به ثانيتين وقلت لها:خدي بالك أحسن يقع..
هزت كتفها وقالت أى هوب سو..ثم أطلقت تنهيدة درامية وقالت..مش عايزة أتجوز..عايزة أكمل دراستي بره الأول.. آى هاد آ دريم ..يو نو***..ثم لملمت الفرش و الباليته و قالت سي يو..
ظللت واقفة أمام الحوض لفترة..أفكر..زينب طيبة فعلاً..وجميلة..هى الأولى على الدفعة..ظلت صور خطبتها على شاب يشبه نجوم السينما في المجلات شهراً..تريد السفر لإيطاليا لاستكمال دراستها..و يسمح لها الأمن بركن عربتها داخل الكلية مثل العميد..وتقول لي سي يو دائماً عندما تراني..
كان  خاتم خطبتها الماسي ملقى الآن أمامي على الحوض بعد أن نسيته هناك..
أمسكت الخاتم دقيقة..  أفكر ربما يسكنه جني ما يحقق لزينب ما تريد..أفكر إذا ما ظهر لي ماذا أطلب؟ أن أصير مثل زينب؟..ولكني لا أملك عربة ليسمح لي الامن بركنها داخل الكلية..فكرت في مدى سذاجتي.. عندما أصبح مثل زينب سيكون لي عربة بالتأكيد..أفرك الخاتم..لا شيء..
في حديقة الكلية تقف زينب دائماً وسط أصدقائها الذين لا أعرفهم....تشير زينب بيدها و تقول ماى جاد إتس هيلريوس"   فيقهقه الجميع..انظر إليهم من بعيد و ابتسم ببلاهة..فلابد أن ما تقوله مضحك حقاً..
اقترب منهم على استحياء..أقول زينب إنتي نسيتي ده فوق..
تنظر لي محاولة تذكري ثم تقول آه ثانك يو سو ماتش..ثم تقول مصححة زينة..اسمي زينة..
أهز رأسي و أستدير و أنا أفكر لماذا لا تغيره في كشف أسماء الدفعة إذاً لا أظن أن أحداً سيعترض لزينب..أقصد زينة..
أسمعها تقول..بور جيرل"" أكيد فكراه إكسسوار..يقهقه الجميع ..أتظاهر بأني لم أسمع..وأكمل طريقي للأتيليه..
أمام لوحتي اخيراً المكان الذي لا أشعر فيه بالتوتر أو الخجل.. أضع السماعات في أذني لأسمع درويش يقول سأصير يوماً كرمةً.. أفكر في أنه يوجد شخص على الأقل يعتقد أن كرمة أفضل من زينب...أبتسم من جديد و أنسى كل شيء عن زينب لأعود أنا بطلة حياتي..كرمة السيد عبد الفتاح..ولا أحد أخر..

_____________

 oh mon dieu*

human being for god`s sake**
i had a dream you know..***
it`s hilarious"

 poor girl""

الجمعة، 26 أغسطس 2011

البنت الأولى:روشين


تنظر لي روشين و تبتسم..أدير وجهي إلى الناحية الأخرى..أنا أمقت الغرباء الودودين و خاصة في وسائل المواصلات..وروشين تبدو من هذا الطراز..تشير لي روشين بأن المكان فارغ بجوارها فأشكرها بهزة رأس..
أتظاهر بالانشغال في القراءة و أجلس على الأرض أمام باب المترو..أشعر بشخص يجلس بجواري فلا أستطيع إلا أن أخمن أنه روشين..
تقول روشين أنها قرأت كل روايات ماركيز في الجامعة..أرد بكلمات من نوعية كم هذا رائع..تشير إلى الحلق في أنفها و تقول حصلت على هذا بالأمس..أخبرها كم هذا عظيم..تريني وشمها الجديد على مشط قدمها بعد أن تخلع الحذاء أخبرها أن وشم كلمة حرة على مشط قدمها لا يكفي لتصبح حرة فعلاً و أعود لقراءة الكتاب..
تقول روشين أنها خريجة فنون جميلة ..أتظاهر إني لم أسمع..تقول إنها تعشق السماء في الصباح  تظل محملقة فيها  حتى تتكون تلك الشموس الصغيرة أمام كل الموجودات..اخبرها أن هذا أقصر طريق للعمى..تقول أشرب القهوة زيادة فقط أخبرها أن القهوة مضرة بالصحة و غالباً هي سبب تلك الهالات السوداء تحت عينيها..
تقول روشين أنها لم تذهب أبداً إلى حفل لأم كلثوم..انظر إليها بدهشة ولا أرد..تقول لم يهدني أحد بالونة من قبل..اخبرها أن في المترو يوجد من يبيع كيس البالون بجنية واحد..تقول أنها تحب الكتابة في الظلام و الرسم في الظلام لأنها ترى في الظلام أفضل..أخبرها ربما تملك عينيها خاصية الأشعة فوق الحمراء فلا تحتاج للضوء..
تقول روشين إنها لا تعرف بالتحديد إلى أين تتجه..اخبرها أن لا أحد يعلم ذلك على وجه التحديد..تقول ممنوعة من كل شيء..محرومة من كل شيء..أخبرها ربما يكون هذا أفضل للصحة..تخبرني إنها تحب أن تعود للعالم مرة أخرى كجنية شريرة لتنتقم من كل من أذوها..أخبرها أن لا أحد يريد العودة حتى ولو أصبح جني شرير..
تقول روشين..أنا اسمي روشين و هذه محطتي..
أقول أنا لا أصادق الغرباء الودودين في المواصلات...
ينغلق الباب وراء روشين وهى تلوح لي..انظر للفتاة الواقفة أمامي و ابتسم..تدير وجها إلى الناحية الأخرى..أشير لها بأن المكان فارغ بجواري ..تذهب للجلوس بعيداً بجوار الباب و تنشغل بالقراءة..أذهب للجلوس بجوارها و أقول..قرأت كل قصص يوسف إدريس في الجامعة..........

الاثنين، 15 أغسطس 2011

يارب

يارب..ياللي عمري ما مديتلك إيدي و كسفتني..بتستجيبلي في كل دعوة بطلبها منك حتى ولو بعد حين..و لما بتستجيبلي بفرح و ساعات بنسى أشكرك..وبعدين أفتكر و اضحك و أبص للسما و أقولك ما أنت عارف يارب إني بحبك..فبحسك بتطبطب عليا بإيدك الرحيمة و تقولي عارف..و أجري أفرح بنعمتك عليا و بعدين أزعل..فاناديك فتنصفني فأبص للسما و ابعتلها بوسة..فتبتسم و تسيبني أفرح..
يارب انا عملت حاجات كتير اوي غلط في حياتي..ذنوب محدش يعرفها غيرك..و كدبت و زعلت أمي و أبويا..و فقدت ساعات ثقتي فيك..و زعلت منك..و راضيتني..و زعلت ناس..فراضيتهم عني..و بعدين رجعت خبطت على بابك ففتحتلي..و ادتني نعمة الاهل اللي بيحبوني..و نعمة  الأصحاب اللي سندوني..و نعمة التخفيف من الوجع..ونعمة الضحك اللي بيطلع في ساعة الحزن عشان إنت عارف إن الحزن بيموت..عشان  أنت اللي خلقته و إنت اللي قادر تخففه..
يارب أنا زي يعقوب بشكيلك بثي و حزني..و عيزاك زي ما رجعتله يوسف ترجعلي الشخص الوحيد اللي حبيته في العالم..أنت اللي بتقلب القلوب..وأنت اللي ماسكها في إيديك..قلب قلبه على حبي..و اضغط بإيدك الرحيمة ضغطة حنية واحدة ..و اعطيه القدرة على نسيان غلطاتي..زي ما عطيتني القدرة على إني مشوفهاش أصلاً..و أعطيه القدرة على المجازفة..زي ما عطتني القدرة على الرضا..و انصرني ياربي في حبي..انت اللي مبتحبش الإنهزام..وأنت اللي بتشمل المحبين برحمتك..لأنك طاقة حب..و لأنك كنت كنز مخفي..و عارف إن الحب هو الكنز الوحيد المخفي في أرواح البني آدمين..
أنت السبب الوحيد اللي بيجمع بين اى اتنين بيحبوا بعض..ولو افترقوا بيبقى لحكمة من عندك..و لما بيحصل بيبقى بإرادتهم الحرة اللي إنت خلقتها فيهم..عمر الحب ما كان بالإجبار..ولا كان بالاختيار..ولا كان بحساب المزايا و العيوب..
يارب أنت وحدك اللي عالم بالوجع لانك أنت اللي خالقه..محدش حاسس بيا ولا مصدق إن الوجع بيموّت الروح غيرك..لأنك انت اللي خالق الروح..و أنت وحدك اللي قادر تخفف الوجع ده..وأنت وحدك اللي قادر تجيبلي ترياقه..
يارب أنا عارفة إنك مبتعملش إلا الخير لعبيدك حتى لو  مش راضي عنهم..بس طالبة منك إنك تديني يارب فرصة الاختيار..و دخلني في التجربة حتى لو كنت خايف عليا منها خوف الأب على بنته من خروجها لوحدها للدنيا الزحمة لأول مرة..ولما أنكسر هاجيلك أبكيلك فهتقومني..ولو أنتصرت..أنت الوحيد اللي هشكرك و هحمد فضلك..
يارب انا اللي عمري ما عبدتك من باب الخوف أبداً..و كنت ليا باب حب بيخلي قلبي يترعش لما بقول اسم من اسماءك..لما بقرا كلمة من كلامك..لما بحس بعطفك على الناس في الشوارع..لما بشوف إيدك ممدودة لكل واحد و كل روح..و في كل شارع..وكل بيت..ساعدني ياربي في حبي لمخلوقاتك..و متغيرش عليا من حبي لأى حد غيرك لأنه عمره ما هيكون زيّ حبي ليك..و مد ليا كف الرحمة و انصفني يارب..و عالجني من زلاتي ..و غير من طباعي الغلط..و عطيني القدرة على الصبر..و لو كنت رخصت نفسي الغالية لإنك إنت اللي خلقتها بقلة ثقتي في نفسي..سامحني..و رجعلي الثقة تاني في الدنيا و العدل و بنفسي و بكل اللي حواليا..
يارب اغفر لي ألمي و ضعفي و هواني على الناس..و اغفرلي يأسي و حزني و انكساري..و مدلي إيدك..و استجب..يارب استجب..يارب استجب

الأربعاء، 3 أغسطس 2011

الأغنية الخامسة:ولمّا تخلص تجري على طول..


غرفة الانتظار في عيادة الطبيب الذي يشبه الصينيين  واسعة للغاية..تجلس منكمشة في كرسيها الدائم بجوار الشباك ابتعاداً عن رائحة المطهرات التي تخنقها..أمها بجوارها تجلس في صمت الاعتياد على الانتظار..هي مثلها لم يعد يتعبها الانتظار..لم تعد تندهش من أعداد المرضى في العالم..لم تعد تخجل من صوت سعالها الجاف الذي يجعل جميع من في الغرفة أو الفصل أو المنزل يلتفتون إليها..لم تعد تحزن من سكونها الدائم و منعها من الجري في الشارع أو ركوب الدراجة..تعطيها أمها شوكولاته لتأكلها..لم تعد تفرح بالشوكولاتة و لا اللعب الكثيرة التي يجلبها لها أبوها من الخارج في الأجازات..الشوكولاته لا تمنع السعال ...تنظر إلى الرجل العجوز الجالس أمامها نصف نائم..بالجلباب الرمادي و الطاقية على رأسه و جواره تجلس ابنتاه الشابتان..تكسر الشوكولاته لتخرج اللعبة الصغيرة بداخلها فتتدحرج إلى أسفل مقعده..يتناولها و يمد يده  إليها بها فتأخذها.. يربت على رأسها الصغير و يعود للاستناد إلى عصاه نصف نائم..

التمرجي بشاربه الأصفر الذي يضحكها..يضحك و يشعل التلفزيون على أغنية أطفال من أجلها..كان صوته عال دائماً و يزعجها تماماً..كانت تكره أغنيات الأطفال و تكرهه لأنه هو من وضع لها قناع البنج في المرة السابقة ..بعدها استيقظت لتجد نفسها راقدة على السرير في الغرفة الصغيرة الملحقة بغرفه العمليات في العيادة جوارها ولد نائم اكتشف الطبيب بالمنظار أن سبب سعاله هو قشرة لب ظلت عالقة بقصبتُه الهوائية..الحكاية التي سمعت أمها ترويها بعد ذلك للجميع مئات المرات متحسرة أن مرض ابنتها ليست ببساطة إزالة قشرة لب من على القصبة الهوائية بعملية منظار..أكلت الكثير من اللب الأسمر بقشره بعد ذلك حتى تسهل للطبيب مهمته في المرة القادمة بلا فائدة..
يُدخِل التمرجي الرجل العجوز و ابنتيه قبلها..تظل محدقة في مقبض الباب حتى يدور فتعرف أن المريض اللي يسبقها سيخرج الآن و تدخل هي..تريد الانتهاء سريعاً من كل ما تعرف أنه سيحدث ..الطبيب الذي يشبه الصينيين  يضع سماعته الباردة على صدرها و ظهرها و يطلب منها أن تتنفس بصوت عال..ثم يجلس ليصف أدوية جديدة و يخبر أمها أن حان الوقت للتدخل الجراحي ليعرفوا ماذا يحدث حقاً داخل رئتها المسكينة..تنظر إلى السقف متجاهلة نظرات أمها الحزينة و هزات رأسها مع كلام الطبيب..ثم تعود إلى المنزل لتأخذ الأدوية و الحقن التي لم تعد تؤلمها الآن..
كان مقبض الباب قد بدأ في الدوران بالفعل بسرعة مبالغ فيها..صوت الصراخ غطى على الأغنية الدائرة..الطبيب و مساعده يحملان العجوز مغمض العينيين إلى حجرة الجراحة و وراءه  ابنتاه تصرخان..تحضنها أمها مخبأة وجهها الصغير في صدرها تلتفت بعينيها  لترى وجه العجوز المغمض..يفتح عينه فجأة وينظر إليها بجمود ثم يختفي الجميع داخل الغرفة..كانت أمها تبكي ..دقيقة ثم خرج الطبيب  وهو يتلو الشهادة عائداً إلى غرفه الكشف..يقول التمرجي للبنتين :بلاش تنقلوه بالإسعاف عشان متدخلوش في سين و جيم أسندوه بينكم بقى كده لحد ما توصلوا البلد كلها ربع ساعة..البنتان يسندان أباهما الفارغ من الحياة  بينهما و يبكيان..يغادران العيادة بخطى ثقيلة..

...........................

يخبر التمرجي أمي أن علينا الدور في الدخول....سرير الكشف لا يزال غائصاً بوزن الرجل العجوز و مشعاً بحرارته..انظر إلى الجميع من حولي..الطبيب..التمرجي..أمي..سقف الحجرة البارد..الأغنية لا تزال تدور..لا تزال تدور..و أنا أبكي..أبكي فقط بلا صوت..